قصص لطيفة وخفيفة - شجرة الصفصاف !
كم كان ذلك الأجنبي الغريب عن البلدة يندهش لحذق عامل البستان في عمله . ويتعجب من تلك القدرة التي استطاع بها إعادة الحديقة أجمل مما كانت عليه . وقدرته على تنسيقها والعناية بها بمثل ذاك القدر المبهر الذي جعلها تبدو كأنها قطعة من الجنة. فقد كان ذلك العامل بيديه المتشققتين كعازف ماهر يعرف كيف يحرك أوتار الأرض فتمنح الناظر لحناً فريداً من ألحان الجمال. كان يصبر على العمل فيها منذ الفجر وحتى جزء متأخر من الليل . دون كلل أو ملل . يجلس خلال نهاره دقائق معدودة تحت شجرة الصفصاف العتيقة تلك، والتي كانت مثل عجوز هرمة لكنه استطاع أن يحولها بعنايته الفائقة إلى شجرة يانعة . تغطي أغصانها مساحة شاسعة من الحديقة،كان يحلو له أن يقضي معظم أوقات راحته القليلة تحت فيئها، يأنس حين يتناول وجبته الوحيدة وهو جالس تحتها يتحسس أرضها في حنان ظاهر كأنها طفلة حبيبة إلى نفسه.ينام تحتها تلك الدقائق وهو جالس مستنداً بظهره على جزعها . يظل طوال اليوم دءوب الحركة بين أرجاء الحديقة،فلم يكن يرضي لنفسه أن يتوقف عن العمل لدرجة جعلت صاحب العمل يعجب من أنه يعمل بأكثر مما يتقاضاه من أجر.كانت يده المتشققة تملك سحراً خاصاً يستطيع أن يحول كل يابس إلى أخضر. وكل قبيح إلى جمال باهر ، لو نظرت إليه ترى في عينيه لمعة بريق مدهشة وهو يمسك الزهور بذلك الحنان الذي لا يتناسب وكفيه المتشققتين . يجول بعينيه في أركان الحديقة ليستكشف جوانبها فيهرول حيث الغصن اليابس ويعالجه . يغدو تجاه الجدول المعوج فيقومه . يتسلل بين الأشجار ينظف أحواضها حتى صارت تلك الحديقة حديث الناس وقبلتهم للفرجة عليها.
لم تعد قواه بعد هذه السنوات تمكنه من العمل بنفس الجد . لكنه لا يستطيع مغادرة العمل كما طلب منه مالك الحديقة . فأين له أن يذهب بعيداً عن بيته الذي كان يملكه، وكيف له أن يغادر قبر زوجته وطفلتيه اللتين دفنتا تحت شجرة الصفصاف عندما نشبت الحرب وداهم الغرباء بيته!!! .